منتدى الخيام الثقافي
السلام عليكم
اهلا وسهلا بكم في منتدى الخيام الثقافي
منتدى الخيام الثقافي
السلام عليكم
اهلا وسهلا بكم في منتدى الخيام الثقافي
منتدى الخيام الثقافي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى الخيام الثقافي


 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 سيرة حياة سماحة السيد محمد حسين فضل الله قدس سره

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة





تاريخ التسجيل : 01/01/1970

سيرة حياة سماحة السيد محمد حسين فضل الله قدس سره  Empty
مُساهمةموضوع: سيرة حياة سماحة السيد محمد حسين فضل الله قدس سره    سيرة حياة سماحة السيد محمد حسين فضل الله قدس سره  Empty5/7/2010, 04:01

النسب
هو السيد محمّد حسين ابن السيد عبد الرؤوف ابن نجيب الدين ابن السيد محيي الدين ابن السيد نصر الله ابن محمد بن فضل الله (وبه عرفت الأسرة وإليه نسبت) ابن محمد بن محمد بن يوسف بن بدر الدين بن علي بن محمد بن جعفر بن يوسف بن محمد بن الحسن بن عيسى بن فاضل بن يحيى بن حوبان بن الحسن بن ذياب بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن محمد بن داود بن ادريس بن داوود بن أحمد بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن المثنى ابن الحسن السبط ابن الإمام علي بن أبي طالب (عليهم السلام)

الولادة والنشأة
ولد سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله في النجف الأشرف/العـراق في19/شعبان/1354هـ، حيث كان والده آية الله السيد عبد الرؤوف فضل الله قد هاجر إليها لتلقّي العلوم الدينية، وأمضى مع أسرته فترات طويلة في الدرس والتدريس، ضمن الحاضرة العلمية الأبرز في العالم آنذاك.

الدراسة العلمية
ترعرع السيد فضل الله في أحضان الحوزة العلمية الكبرى في النجف الأشرف، وبدأ دراسته للعلوم الدينية في سنّ مبكرة جداً.. ففي حوالي التاسعة من عمره، بدأ بالدراسة على والده، وتدرّج حتى انخرط في دروس الخارج في سنّ السادسة عشرة تقريباً، فحضر على كبار أساتذة الحوزة آنذاك، أمثال: المرجع الديني السيد أبو القاسم الخوئي ، والمرجع الديني السيد محسن الحكيم ، والسيد محمود الشاهرودي، والشيخ حسين الحلي (قدّهم)، وحضر درس الأسفار عند الملاّ صدرا البادكوبي.
وقد كان سماحة السيد فضل الله من الطلاب البارزين في تحصيلهم العلمي في تلك المرحلة، ويُذكر في هذا المجال أن السيد الشهيد محمد باقر الصدر (ره) قد أخذ تقريرات بحث السيد فضل الله إلى السيد الخوئي لكي يُطلعه على مدى الفضل الذي كان يتمتع به سماحته، هذا الأمر الذي انعكس فيما بعد ثقة كبيرة من المرجع الخوئي تجاه السيد فضل الله، فكانت وكالته المطلقة له في الأمور التي تناط بالمجتهد العالم.
وقد أثر عن سماحة السيد فضل الله أنه كان من الأوائل البارزين في جلسات المذاكرة، حتى برز من بين أقرانه ممن حضروا معه، فتوجّهت إليه شرائح مختلفة من طلاب العلم في النجف آنذاك، فبدأ عطاءه العلمي أستاذاً للفقه والأصول.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 01/01/1970

سيرة حياة سماحة السيد محمد حسين فضل الله قدس سره  Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة حياة سماحة السيد محمد حسين فضل الله قدس سره    سيرة حياة سماحة السيد محمد حسين فضل الله قدس سره  Empty5/7/2010, 04:03

رعاية الأيتام:
أولى سماحة السيّد اهتماماً بالغاً بالأيتام، كونهم يمثّلون الشريحة الضعيفة في المجتمع، والتي تحتاج إلى الكفالة والرعاية، حتى لا تضيع في مهبّ العواصف الاجتماعية، وقد رعى سماحته مشروع حماية اليتيم وكفالته عبر مشروعين:


  • مبرّات الأيتام
أسّس سماحته جمعيّة المبرات الخيرية التي شيّدت صرحها الأول للأيتام تحت اسم "مبرّة الإمام الخوئي"، والتي أمّنت المسكن الكريم للأيتام الذين كادت الحرب اللبنانية أن تتركهم لأيدٍ غير أمينة على دينهم وأخلاقهم وحياتهم.
ثمّ ضاعفت الجمعيّة جهودها في مجال رعاية الأيتام تحت ضغط الحاجة الاجتماعية التي تحرّكت في مناطق مختلفة من لبنان، فأسّست جمعيّة المبرات ـ تحت توجيهات سماحته ورعايته ودعمه ـ عدّة مبرّات للأيتام توزّعت على مناطق متعدّدة من لبنان، وتطوّرت الرعاية قي مختلف جوانبها، وتحوّلت من رعاية اجتماعية إلى رعاية رسالية شمولية في التربية والتعليم والثقافة ونواحي الحياة كافة، هادفةً إلى أن توفّر للأيتام الرفاهية الجسدية والنفسية والاجتماعية وتنمية قدراتهم الذاتية وتحقيق تقدّمهم، ليساهموا فيما بعد بفعالية في حركة المجتمع والحياة.
وتؤمّن الجمعيّة لليتيم الرعاية الشاملة في كل ما يحتاج إليه في الشؤون الحياتية والاجتماعية والتربوية والتعليمية والنفسية، بالإضافة إلى تنشئته روحيّاً ومسلكياً ودينياً، مستخدمة لذلك كل الوسائل التربوية الهادفة، ومعتمدةً على أهل الاختصاص في التربية والتعليم وغيرهما، ليكون كلّ ما يُقدّم لليتيم مدروساً ومراقباً من قِبَلهم ومتناسباً مع عمره واحتياجاته النفسية والجسدية. والهدف من ذلك هو الوصول باليتيم ليكون إنساناً سويّاً في العقل والجسد والروح، ومتوازناً في علاقته بالمجتمع بشكل عام
وتحتضن الجمعيّة حتى اليوم أكثر من 3300 يتيم ويتيمة موزّعين على مبرّاتها.
وقد عملت الجمعيّة على رعاية الخرّيجين من الأيتام، محاولةً تأمينهم في الجامعات المتنوّعة، رفداً لمسيرة تطوّرهم العلمي والثقافي، وجعلت الأولوية في وظائفها لليتيم الذي يمتلك الكفاءة والخبرة اللازمين في عمله.


  • رعاية الأيتام في الأسر:
نظراً لامتلاك كثير من الأسر القدرة على رعاية أيتامها مع حاجتها إلى الدعم المادّي والمعنوي، وجّه سماحته عبر "مكتب الخدمات الاجتماعية" التابع للمؤسّسة المرجعيّة لتأمين التقديمات المادّية التي تحتاجها أسرة اليتيم، حيث يقوم المكتب بتأمين راتب شهري يكفي العائلة في احتياجاتها الحياتية، كما يؤمّن ما يلزم من الملابس والكتب المدرسية، ويساعد في أقساط المدارس حيث تدعو الحاجة لذلك.
بالإضافة إلى ذلك، يؤمّن المكتب، وبالتعاون مع مكتب التبليغ الديني في المؤسّسة، الرعاية الدينية ضمن الأسر عبر عقد لقاءات في البيوت، أو عبر محاضرات وندوات للأسر، أو عبر بعض المنشورات الهادفة، سواء منها للطفل أو لأسرته.
ولم يقتصر رعاية الأيتام في ضمن الأسرة على لبنان، بل انطلق مكتب الخدمات الاجتماعية، وتحت توجيهات سماحته المباشرة، ليضاعف جهوده نحو الخارج، وعمل على تأمين كفالات للأيتام في أنحاء مختلفة من العالم، وخصوصاً في العراق، حيث تكشّف الحال عن حاجات ملحّة جدّاً لتأمين مساعدات دورية للأيتام الذين خلّفتهم سنوات القهر والعذاب والقتل والتشريد للشعب العراقي المؤمن.

الفقراء والمساكين والمعوّقون
يتوفّر مكتب الخدمات الاجتماعية التابع للمؤسّسة على دراسة الحالات الاجتماعية التي تتقدّم بطلب إلى المكتب، أو التي يُشار إليها من العائلات المستورة، أو العائلات التي أقعد العجز والإعاقة معيلها عن العمل وتأمين حاجاته وحاجات أسرته، وذلك لتحديد احتياجات هذه العوائل من الغذاء والدواء والملبس، ويتمّ مساعدة الأسرة الفقيرة أو الفرد من خلال الحقوق الشرعية من الأخماس والزكوات، أو من الصدقات التي يجمعها المكتب عبر مشروع "صندوق الصدقات" تحت اسم جمعية المبرّات التي توزّع على المحالّ والمراكز التجارية والمؤسّسات العامة، أو عبر "قجّة الخيّرين" أو "قجّة التقويم" اللتين توزّعان على المنازل الراغبة في المساهمة في العطاء والتكافل الاجتماعي.

المكفوفون والصُمّ والبُكم
كان الواقع الإسلامي يعاني نقصاً كبيراً، بل انعداماً في المؤسّسات التي ترعى ذوي الاحتياجات الخاصّة ممّن فقدوا حاسّة البصر أو السمع، أو تعثّرت معهم القدرة على النطق، ما جعل هؤلاء، وخصوصاً في الحرب الأهلية، مضطرّين للانخراط في مؤسّسات ذات طابع ديني مختلف كليّاً عن الإسلام، ما يؤسّس لضعف المناعة الدينية لهذه الفئة، ولذلك كان اهتمام سماحة السيّد (دام ظله) بالغاً بتهيئة الأرضيّة لإنشاء مؤسّسة متكاملة، بدأت صغيرة في البداية، ثمّ تطوّرت تحت اسم "معهد الهادي للإعاقة السمعيّة والبصرية"، والذي يُعدُّ ـ بشهادة الكثيرين ـ من المعاهد الأولى في الشرق الأوسط، وليس في لبنان فحسب.
وقد حوى في أحضانه ثلاث مدارس:


  • مدرسة النور للمكفوفين.
  • مدرسة الرجاء للصمّ.
  • مدرسة النطق واللغة.
تؤمِّن المؤسسة التعليم الأكاديمي باللغات الثلاث: العربية والفرنسية والإنكليزية، بالإضافة إلى التعليم والتأهيل المهني والحرفي، والرعاية الداخلية الحياتية. وقد وصل العديد من طلاّبها إلى الجامعات ونالوا شهادات عليا في مختلف الاختصاصات.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 01/01/1970

سيرة حياة سماحة السيد محمد حسين فضل الله قدس سره  Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة حياة سماحة السيد محمد حسين فضل الله قدس سره    سيرة حياة سماحة السيد محمد حسين فضل الله قدس سره  Empty5/7/2010, 04:05

الحركيّة الإسلامية:

آمن سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله بأن على الإنسان المسلم، خصوصاً إذا كان في المواقع القيادية، أن يستلهم حركته من حركة النبي الأكرم(ص)، ومن أئمة أهل البيت(ع)، الذي لم يقتصروا في حياتهم وعطائهم على جانب دون جانب، بل عملوا على سدّ الفراغ في كل ما يحتاجه الناس والمسلمون في حياتهم السياسية والثقافية والجهادية والروحية، وما إلى ذلك، ولذا آمن سماحته بأن على الداعية والعالم الديني أن يتحرك من موقع الفعل، لا من موقع ردّ الفعل، وأن يطرح الإسلام في كل ما يهم الإنسان المعاصر، باللغة التي يفهمها، من دون أن يتنازل عن مبدأ من مبادئه، أو تفصيل من تفاصيله، لأنه رأى أن مشكلة الإسلاميين مع الجيل المعاصر ليس في المضمون الذي يقدمه هؤلاء، بل في الأسلوب الذي يطلقون فيه الفكرة، والمفردات التي يصوغون فيها النظرية، فيحدّثون الجيل بغير لغته الثقافية، فيرى بأن همومه شيء، وأن الإسلام شيء آخر ينتمي إلى القرون الوسطى وما قبلها في الذهنية والعقلية.

ولذلك عرف سماحته الانفتاح على قضايا المسلمين السياسية في وقت مبكر جداً، وقد كانا جنباً إلى جنب هو والسيد الشهيد محمد باقر الصدر، وذلك في الاهتمام بالحركة الإسلامية في العراق. يقول سماحته: "كنت من أوائل الذين شاركوا في ولادة الحركة الإسلامية الشيعية الملتزمة في العراق إلى جانب السيد محمد باقر الصدر، وكنا نلتقي معاً ونخطط معاً لولادة حركة إسلامية في الواقع الإسلامي الشيعي، لأن الحركات الإسلامية كانت تتحرك في الوسط السنّي، كحركة "الإخوان المسلمين"، و"حزب التحرير الإسلامي"، وبهذا شاركت في ولادة وتفعيل الحركة الإسلامية في العراق، التي امتدت إلى أغلب مواقع العالم العربي والإسلامي على الأقل.

حضر سماحة السيد فضل الله إلى الساحة اللبنانية دون أن تعتريه الأوهام من صعوبة المهمة التي وجدها بانتظاره، فالأحزاب العلمانية استدرجت الشباب المسلم، والشيعي تحديداً، إلى ساحتها، والأحزاب الطائفية تقاسمت الشرائح الأخرى تحت عناوين عصبية بعيدة عن الدين. وكان العمل في هذه الأجواء من الصعوبة، بحيث كان يراد حرث أرض أشبه بصحراء قاحلة، وكان استصلاح هذه الأرض هي الخطوة الأولى التي لا بد منها للمباشرة بنشر بذور الإسلام من جديد.

كان واضحاً لسماحة السيد منذ البداية، أن الإرادة الصلبة والعزيمة القوية والإيمان بقدرة الإسلام على إحياء النفوس الجدباء، هي المقدمات الطبيعية لمباشرة عمل رسالي لا يبقى لصاحبه شيء لذاته أو لحياته الشخصية الخاصة، وكان التحدي الكبير أمام سماحته هو قبول التحدي وبدء التحرك في ظروف أقلّ ما يُقال فيها إنّ الدين بات ممّا يزدريه الشباب الناشىء، ويتبنى تجاهه المقولة الحزبية الرائجة آنذاك، أنه سبب "تخلّف العرب والمسلمين"، وإنه "أفيون الشعوب"..

اختار السيد أن يبدأ خطواته الأولى في المشوار الطويل من "وكر الدبابير"، من منطقة "النبعة"، ذات الأغلبية الشيعية الفقيرة، والتي تقع جغرافياً على تخوم مناطق من طوائف أخرى تختلف عنها بالعقيدة والتقاليد ومستوى المعيشة.

أصرّ سماحته منذ البداية على إقامة صلاة الجماعة في المسجد الصغير الذي بدأ يجد له أنصاراً يدعمونه ببعض المعونات (التبرّعات) التي كانت في يد الله تنمو، فيتّسع معها المسجد ليصبح مركزاً ثقافياً اجتماعياً يضمُّ إليه حوزةً علمية ومكتبة عامة وقاعة محاضرات وصفوف تدريس ومستوصفاً خيرياً وأسرة إسلامية جنينية هي "أسرة التآخي".

وسرعان ما لفت سماحة السيد نظر الشباب المسلم في تلك المنطقة، وبدأت محاضرات سماحته تتحوّل إلى حديث الناس في المجالس الخاصة والعامة، فأخذت أفئدة من الشباب الطالع تهوي إليه وتتحلّق حوله في المسجد الذي ضمّ العصبة الأولى من الشريحة الشابة التي لفتها الإسلام..

اشتغل سماحة السيد من مركزه في النبعة على خطين؛ الأول رعاية شؤون العامة من الناس، وتصويب اعتقاداتهم وتمتين ثقتهم بعقائدهم ودينهم، وحثّهم على المثابرة على القيام بالتزاماتهم الدينية دون خوف من تهويلات العقائد الحزبية ذات السطوة في حينه.. وعلى خطٍّ آخر، عمل سماحته على إعداد شريحة شابة في ريعانها الأول، من خلال برنامج متكامل من المحاضرات التي تناولت شتى صنوف المعرفة الإسلامية المركّزة.. وعلى هذا الخطّ، عمل سماحته على إعداد مجموعة من طلاّب العلوم الدينية بحسب المنهاج الحوزوي المتّبع في الحوزات الكبرى.

هؤلاء الشباب الذين اهتدوا إلى إسلام يدفعهم إلى لجّة الحياة بدل الانعزال عنها، أغراهم أسلوب سماحته في التعمّق فيه بشكل مكثّف، وأصبحوا في وقتٍ قصير فريقاً متماسكاً ينتهج أسلوب الدعوة إلى الله، ويجاهر بالتزامه بالإسلام الحركي الذي واجه التحدي الكبير في حينه، واستطاع أن يصمد أمام رياح التغريب والتشريق العاتية في آن، وأن يمتد في مرحلة لاحقة ليشمل مناطق جديدة من لبنان، فمن النبعة إلى المحيط ـ الدكوانه ـ ومنه إلى مدينة بيروت، كان صوت الإسلام يصدح من خلال أشرطة التسجيل والمحاضرات المركّزة لسماحته في كامل مناطق تواجد المسلمين في لبنان، وبالأخص في منطقتي الجنوب والبقاع.

المشروع الإسلامي المتكامل

كان واضحاً أمام سماحة السيد منذ اللحظة الأولى لمجيئه إلى لبنان، أنه لا بد من العمل للإسلام في إطار مشروع متكامل، وأن العدّة التي لا بدّ من مباشرة العمل بها هي الإخلاص والإصرار والمزيد من الصبر على المكاره، وقد أعان سماحته على استيعاب صعوبات العمل في الساحة اللبنانية، ما أكسبته إيّاه الساحة العراقية من خبرة، وهي ساحة تتمتع بالغنى في جميع مجالاتها، حيث كانت الأنشطة التي زاولها في مناطق شاسعة من العراق، والتي انفتح فيها على شرائحها الشعبية والثقافية والاجتماعية المتنوعة تأثراً وتأثيراً، كانت له عوناً وخبرةً على معالجة ساحة هي في غاية التعقيد كالساحة اللبنانية..

حين حضر سماحة السيِّد موسى الصدر إلى لبنان، وأراد أن يباشر حركته السياسية، كان سماحة السيِّد قد أهّل نخبةً كبيرةً من الشباب كانوا نواة العمل السياسي الإسلامي الذي انطلق في تلك المرحلة.. ومع ذلك، فإن سماحته أراد أن يبقي على المشروع الفكري الإسلامي حاكماً للمشاريع الأخرى، باعتبار أن العمل الفكري الإسلامي العام يمكن أن يشكّل خيمة كبيرة لكل المشاريع الأخرى، وأيضاً الرافد الأساسي لكل المشاريع المتصلة بالإسلام على صعده السياسية والاجتماعية المتنوّعة.

ترجم سماحة السيد فضل الله توجهه الإسلامي العالمي عن طريق طرح الإسلام كفكر عام غير حزبي وغير طائفي وغير مذهبي، وسعى إلى أن يكون عامل جذب متنوع لكل من أراد التزام الإسلام بلا عقد وحواجز، ولكل من أراد التعرف إلى الإسلام بدون تعقيدات المذاهب والطوائف والأحزاب.

فكان روّاد محاضراته ودروسه منذ البداية، شباب لبناني من مختلف الطوائف، وإن غلب عليه اللون الشيعي، فلأن الساحة الأساسية لجهاده ونشاطه كانت انطلاقتها من هذه البيئة المعروفة.

وقد عمد سماحته إلى ترجمة البعد العالمي لمشروعه الإسلامي الأممي ميدانياً، عن طريق تلبية الدعوات المكثّفة التي كانت تأتيه من مختلف دول العالم الإسلامي والغربي، فكان له جولات سنوية على دول إسلامية، وأخرى غربية التقى خلالها نخبة من الشباب الإسلامي الملتزم الواعي المدرك لأهمية التمسّك بالإسلام في الحياة، وخاصة في بلاد الاغتراب، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا ودول غربية أخرى.

ذاع صيت سماحته في مختلف أصقاع العالم، وبدأ الطلب على محاضراته وخطبه يتوالى بشكل عكس الحاجة الشبابية الملحّة إلى إسلام متحدٍّ غير منعزل، وإسلامٍ قابل للحياة يتعامل مع الواقع بأدوات الواقع، ويتحرك بثقة كبيرة، كغيره من الأفكار التي كانت رائجة في العالم آنذاك ويعمل لها منظرون أفذاذ، كالماركسية والرأسمالية والاشتراكية والقومية.

وهكذا أفلح سماحة السيّد في طرح الإسلام كفكر إنساني عالمي، كما يطرح المفكرون العلمانيون والقوميون أفكارهم على مستوى العالم، ولعلّه أول علماء الدين في العصر الحديث الذي اعتبر أن إسلامنا لا بد من أن نطرحه بقوة، لأنه يمتلك ذاتياً تلك القوة، وأن العالم يحترم الفكر القويّ. والمهم أن أصحاب هذا الفكر يجب أن يتوفروا على ما يجعلهم قادرين على خوض غمار المواجهة والتحدّي.

من هنا اعتمد السيّد ـ وعلّم الشباب ـ على أسلوبين في الطرح الإسلامي؛ العام، أسلوب الحوار الهادىء الذي يجعل الآخر يستمع للإسلام ليتعرف إليه من أبنائه ومن مصادره بعيداً عن الأحكام المسبقة، وأسلوب القوة في الطرح الذي يجعل الآخر يحترم الإسلام حتى ولو لم يعجبه أو يغريه الالتزام به. ولهذه الغاية، كتب سماحته أول كتبه حول "أسلوب الدعوة في القرآن"، و"الإسلام ومنطق القوة"، وكتب في بيان المنهج القرآني للحوار كتاب "الحوار في القرآن"، كما نظّر للعمل الإسلامي في كتابه "خطوات على طريق الإسلام" الذي ظلّ لفترات طويلة تتناقله أيدي الطلاب والمدرّسين..



في الحرب الداخلية اللبنانية (1975م)

الأحداث الأمنية التي عصفت بلبنان مع مطلع العام 1975م، وضعت مشروع سماحته التوعوي الفكري أمام تحدٍّ من نوع آخر. ولوهلة، أحسّ الجميع أن الأمور ستعود إلى نقطة البداية، إلى نقطة الصفر، خاصة بعد أن وقعت النبعة، حيث المركز الإسلامي لسماحة السيد وقاعدة نشاطه، في أيدي فريق لبناني كان يقاتل فريقاً آخر يمسك أمنياً بتلك المنطقة..

لكن شخصية السيد الديناميكية الحركية الفاعلة، ما كانت لتستسلم لمنطق الحرب وحصارها، فكان أن أصبح محور الاستقطاب حيث يكون سماحته، فعاد يتحلق حوله الشباب الحركي ويفتحون معاً ثغرة كبيرة في جدار الحرب، انطلقوا عبرها إلى جميع المناطق الإسلامية، إلى أن كانت المحطة التالية بعد الهدوء النسبي للأوضاع الأمنية في لبنان، في منطقة شعبية شبيهة بالنبعة هي "حي السلم"، في ضاحية بيروت الجنوبية، التي أخذ النازحون يتجمعون فيها قادمين من المناطق اللبنانية التي حالت الأوضاع الأمنية فيها دون استقرار أوضاعها بشكل مريح ومقبول..

من الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت انطلق نوع آخر من نشاط السيد، ومستوى آخر من العمل الإسلامي الحركي المتميِّز كماً ونوعاً، إذ بعد مرور ما يقرب من السنتين على الحرب التي عصفت بأربع رياح لبنان، بدأت الأحزاب العلمانية تفقد مصداقيتها العقائدية والسياسية، وبدأ الشباب اللبناني يفقد الثقة بها ويبتعد عنها بشكل كبير، وانهار الهيكل الطوباوي من حولها، فأخذت تدخل في إطار الحركة التي بدأها سماحته، وأسسها على الخير والتقوى، أفواجاً تسبِّح بحمد ربها وتستغفره على ما اقترفته من آثام بعيداً عن الإسلام الأصيل وعن علماء أثبتوا بحق مصداقيةً وثباتاً لم يعهدوا له مثيلاً عند معظم قيادات الساحة اللبنانية.

شكّلت هذه العودة المكثفة للشباب المسلم إلى حضن الإسلام تحت رعاية سماحة السيد، عامل استفزاز كبير للأحزاب القومية والعلمانية في المناطق اللبنانية. ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن عدداً من هذه الأحزاب والتنظيمات قد استقوى على التيار الإسلامي الذي بدأ عوده يصلب، فكان أن حدثت عدة محاولات لاغتيال سماحته، إحداها بقذيفة مدفع أصابت غرفة نومه، حيث كان يسكن في منطقة الغبيري بعد انتقاله من مسكنه السابق، إضافةً إلى محاولات اغتيال أخرى جرت على الطريق التي كان يسلكها سماحته إلى درس تفسير قرآني في منطقة الشياح، وأخرى على الطريق التي كان يسلكها إلى خطبة يوم الجمعة في بئر العبد.

لم تنل هذه المحاولات الفاشلة من عزيمة سماحة السيد، وكان لسان حاله دائماً "إنني قد نذرت نفسي للإسلام ولا عودة إلى الوراء حتى لو أدى ذلك إلى استشهادي.. ونحن قوم الموت في عُرفِنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة". ولكن، وأمام إلحاح المؤمنين الطيبين والشباب المتديّن الواعي الحركي، انتقل سماحته للسكن في منطقة بئر العبد، خاصة بعد أن طلب إليه والده المقدس آية الله السيد عبد الرؤوف فضل الله ذلك، لأن انتقاله من منطقة تشكل خطراً أكيداً عليه إلى منطقة أكثر أمناً يُعَدّ تكليفاً شرعياً وليس خياراً نضالياً..

ومنذ تلك المرحلة، رعى سماحة السيد نشوء عدد من الجمعيات والمؤسسات الإسلامية الشبابية والطلابية، ودعمها معنوياً وفكرياً بكل ما أمكنه، فكان معظم الشباب الحركي المتدين في حركة أمل والاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين، وفيما بعد جمعيات إسلامية أخرى، يتدارسون على فكره ومحاضراته، وكان عدد كبير من الذين اختاروا الدراسة الحوزوية يتتلمذون عليه في معهد شرعي ـ أسّسه في منطقة النبعة كما أسلفنا ـ وفي منـزله وبشكل يومي.. ولم يكن سماحته ليقاطع دعوة توجه إليه يلقي فيها محاضرة فكرية أو درساً عقائدياً أو ندوة تفسير قرآن، بل أكثر من ذلك، كان معظم هؤلاء الشباب الحركي الواعي يتحلّق حول سماحته في المسجد الذي كان خلية روحية رائعة في رحاب دعاء كميل، الذي استمرّ سماحته في ترداده بصوته الشجيّ إلى وقت متأخر قبل أن تلمّ به الوعكة الصحية المؤسفة.



الاجتياح الإسرائيلي وانطلاق المقاومة

عشية الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، كانت الكتلة الشابة من المتدينين الحركيين قد بلغت شأناً لا يستهان به، خاصة وأن هذه الكتلة التي نشأت وترعرعت في كنف سماحته، شكّلت النواة الأولى لهيئة دعم الثورة الإسلامية في إيران، حيث كان سماحته أول من دعا إلى التعاطف مع شعاراتها، وإلى ضرورة التفاعل مع قياداتها، وعلى رأسهم الإمام الخميني(قده)، دون تحفظات، باعتبارها البشارة والشرارة التي يمكن أن تتشكل على أساسها الجمهورية الإسلامية التي كانت محطّ تطلّع وآمال العلماء والشباب الحركيين في لبنان والعالم.

وأخذ سماحة السيد على عاتقه التنظير للاستراتيجيات الإسلامية للثورة، والتفاعل المنتج مع قياداتها، كما قام سماحته في هذا السياق بتلبية العديد من الدعوات التي وجهت إليه من قيادات الثورة الإسلامية، حيث كانت هذه اللقاءات مناسبات مثلى للتداول بشؤون الإسلام والمسلمين، وتدارس الخطط الكبرى للمشروع الإسلامي الذي راح يأخذ أبعاداً مميزة له انطلاقاً من الجمهورية الإسلامية في إيران.

وقد شارك سماحته في مؤتمرات عديدة كانت تعقد في أنحاء مختلفة من العالم، في أمريكا وأوروبا وشرق آسيا وغيرها.

مع بداية الاجتياح الصهيوني للبنان، أخذت الكوادر الشابة التي انطلقت من مسجد الإمام الرضا(ع) في بئر العبد تتوافد زرافاتٍ ووحداناً لتنال توجيهات سماحته بالنسبة للمهمّات الجهادية في مواجهة القوات الصهيونية الغازية.. وفي حين كانت دعواتٌ في لبنان تنحو منحى إعطاء هوية المواجهة مع العدوّ صفة "المدنية"، كان سماحته على قناعة تامة بأن المقاومة المسلحة هي السبيل الوحيد والمثالي لمقارعة عدوٍّ لئيم لا يفهم إلا لغة القوة.

وعلى قاعدة أن سماحة السيد هو مرشد مجموعات الشباب التي انبرت للمقاومة والجهاد والاستشهاد في سبيل الله، ولغاية دحر العدو وقواته من المناطق اللبنانية المحتلة، بدأت أجهزة الاستخبارات المحلية والإقليمية والدولية، وعلى رأسها الـ(سي.آي.إيه)، التخطيط لاغتيال رأس الحالة الإسلامية الجهادية في لبنان، وأخذ القرار، ووضعت سيّارة مفخّخة بجوار منـزله في بئر العبد ذهب ضحيتها ما يزيد على المئة والخمسين بين قتيل وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وقد أدلى بهذه المعلومات "وليم كايسي" رئيس جهاز الاستخبارات الأمريكية آنذاك، ونشرت في جريدة الواشنطن بوست.

قبل محاولة الاغتيال الآثمة والفاشلة، تحوّل منـزل سماحة السيد فضل الله إلى محجة لكل وسائل الإعلام العالمية والإقليمية والمحلية، تتسابق لمقابلة سماحته كونه الشخصية المركزية في لبنان التي تملك القول الفصل في جملة القضايا الساخنة على الساحة اللبنانية. وجدير بالذكر، أن هذه الهجمة الإعلامية العالمية على سماحة السيد، كانت تجري في وقت عمدت الدول الاستكبارية جميعها إلى إنشاء مراكز الدراسات المتخصصة لدراسة الإسلام الحركي، وكانت تحتاج إلى شخصية إسلامية قيادية مميزة تستطيع من خلالها أن تتعرف الإسلام الحركي ـ المقاوم الفاعل، الذي بدأ يصبح حديث الناس في الشرق والغرب.

وكان سماحة السيد مصدراً أساسياً للتعرف على الإسلام الحركي الذي بدأت أصداؤه تتردّد في طول العالم الإنساني وعرضه.. وهنا، لا نغفل عن ضميمة أخرى كان يضمرها بعض الإعلاميون الذين توافدوا من أكثر من دولة غربيّة؛ إذ كان العديد منهم مرتبطاً بأجهزة استخبارات دولية.. وربما كانوا يعتقدون قبل محاولة الاغتيال الفاشلة، أنهم سيكون لهم سبق بنشر آخر ما تحدث به السيد قبل رحيله!!

في هذه الأثناء، انفتحت خطوط التواصل بين سماحة السيد وكبريات الحركات الإسلامية العالمية سنيّها وشيعيّها، وبات فكر السيِّد وتوجّهاته وإرشاداته السياسية والاستراتيجية، مناهج تتداولها قيادات وكوادر التيارات الإسلامية في العالم، خاصةً بعد أن حالت الهجمة الاستكبارية والاستخباراتية على سماحة السيد دون سفره إلى دول العالم الإسلامي والغربي، فأصبح هذا التواصل يتمّ عبر الزيارات المباشرة إلى سماحته من شتى أقطار العالم، وعبر متابعة أخباره وأفكاره ومقابلاته في الصحف والمجلات ومختلف الوسائل الإعلامية الأخرى.



في خطى المرجعيّة الدينية:

منذ ذلك الوقت، بدأت قطاعات واسعة من الشباب المثقف الواعي، تطلب من سماحته الإفتاء في أمور التكاليف الشرعية، لأنهم يرونه أهلاً للتقليد كما هو أهلٌ للقيادة، إلا أن سماحته كان يأبى أن يتصدى لهذا الموقع، احتراماً لمراجع التقليد من الصنف الأول، كالسيد الخوئي(قده) ، والإمام الخميني(قده)، والسيد الكلبيكاني(قده). إلا أن سماحته، لم يكن ومنذ مجيئه من النجف الأشرف، وبالرغم من كل انشغالاته الجهادية والفكرية، لم يكن ليترك التدريس ومواصلة الأبحاث في المجالات الشرعية والفقهية والقرآنية على تنوعها، بل كان يعتبر أن من أولى مهمّات عالم الدين هي بقاؤه منتجاً في دائرة عمله العلمي، كي يستطيع أن يطوِّر معارفه، وبالتالي المعارف الإسلامية في دائرة أبحاثه الفقهيّة وغيرها، وكان سماحته ـ كما كان في النجف ـ لا يترك فرصة للمذاكرة العلمية مع الفقهاء والمجتهدين الذين كان يلتقيهم في سفراته إلى إيران، أو الذين يأتون إلى لبنان أو سوريا وحتى عبر الهاتف، وكان يشجّع طلاّب العلم بالمذاكرة العلمية الدائمة فيغريهم بمناقشته.

بعد رحيل الصف الأول من مراجع التقليد في العالم، لم يعد لسماحته ما يتذرّع به أمام أجيال الإسلام والحركة الإسلامية في العالم، من عدم التصدي للمرجعية، خاصة بعد أن ألحّت عليه القطاعات الإسلامية الواسعة في لبنان ودول الخليج وبلاد الانتشار الإسلامي بضرورة إظهار رسالته العملية، لأنهم يريدون الاقتداء بفتاويه في قضايا الفقه والشرع، كما في قضايا الفكر والسياسة والاجتماع، فكان أن أخرج آراءه الفقهية بشكل أوّلي عبر كتابات جمعت فتاواه بشكل عام أطلق عليه اسم "المسائل الفقهية" في جزءين، ثمّ علّق على كتاب "الفتاوى الواضحة" للشهيد السيد محمد باقر الصدر على أثر رغبة من بعض المؤمنين، وأخيراً أصدر كتابه الكامل المتكامل "فقه الشريعة" في ثلاثة أجزاء، والذي ضم آراءه الفقهية الكاملة، ليسترشد بها مقلِّدوه في مختلف دول العالم.

وكما بات معلوماً، فإن تصدي سماحة السيد للمرجعية، كان تحت ضغط حاجة الساحة الإسلامية إلى ذلك ـ والتي يعتبرها سماحته تكليفاً وليست تشريفاً ـ وهذا ـ ربما ـ ما لم يعجب قطاعات أخرى من الإسلاميين الذين أسرّوا في دوائرهم للمقربين عدم أهلية السيد ولياقته للمرجعية، وتلاقى عند هذه النقطة جماعة من الإسلاميين المسيَّسين وأخرى من التقليديين المتزمّتين..

إلا أن حجة هؤلاء الضعيفة في إنكار المرجعية لسماحته، جعلتهم يسلكون مسالك أخرى غير مستقيمة للتعبير عن انزعاجهم من مرجعيّة سماحته، معتمدين أساليب أقلّ ما يقال فيها إنها تلوي عنق الحقائق، وتستخدم كل الإمكانات في سبيل تلك الغاية.

المهم أن هذه الحملة على سماحة السيد من حيث أرادت أم لم ترِد، أسهمت في شكلٍ كبير في تفشي المرض العضال في الساحة الإسلامية، ألا وهو الانقسام وسوء الظن والتجرؤ على العلماء بالتشهير والإهانة، وأقلّ ما يقال في هذا المقام، أنه وللمرة الأولى في تاريخ التشيع، يصبح علم العلماء موضوعـاً للمهاترات والسباب والشتائم يتناوب عليه العامة والخاصة على حدٍ سواء..

لقد أضرّت هذه الحملة الساحة الإسلامية برمّتها، وشكّلت غطاءً واسعاً لتفشّي ثقافة الجهل والخرافة والتخلّف بين قطاعات الشباب الناشىء، وأصبح الإسلام يقاس بمدى ملاءمته لآراءٍ غاية في التعصب والغلوّ والشخصانية، بدل أن يكون الأشخاص والأفكار والإنجازات كلها في سبيل الله وفي خدمة خطه.. ولعل العديد من الشباب الذين نشأوا على فكر السيد الاستراتيجي المتنور، أخذوا يترحّمون على الانطلاقة الأولى التي كان فيها الشباب المسلم كالجسد الواحد يشد بعضه بعضاً، ويتداعى إلى السهر والحمى عند اشتكاء أيّ عضو من أعضائه من سوءٍ ألمّ به.

سماحة السيد الذي أخذ على عاتقه أن يتجاوز الإساءات الشخصية، استمرّ في الدفاع عن الإسلام والمسلمين، موجّهاً النصح إلى جميع المسلمين أننا في نظر الأعداء حزمة واحدة، وأن العدو لا يريد إلا رأس الإسلام وإنجازاته.

ورغم أن السيد قد أسهم بشكل فعّال في رسم الاستراتيجيات السياسية للحركة الإسلامية العالمية، والتي كانت تُنشر في مقالات دوريّة في مجلّة "المنطلق"، وجمعت فيما بعد ضمن كتاب "الحركة الإسلامية: هموم وقضايا"، إلا أنه لم يؤسس حزباً سياسياً أو تنظيمياً حركياً، بل اعتمد أسلوب العمل الفكري الإسلامي العام الذي لا تحدّه جغرافيا أو أطر زمنية محددة، في الوقت الذي دعم الحركات الإسلامية من خلال أبوّته الفكرية وتجربته العميقة، ومن خلال إيمانه بتوزّع الأدوار والتكامل في الحركة، كما اهتمّ بالعمل الاجتماعي التربوي الذي كانت تفرضه الحاجة آنذاك، فأسّس الحوزات العلمية في لبنان والشام وغيرهما، وجمعية المبرات الخيرية، التي تُعدّ من المؤسسات الرائدة في العمل التعليمي والتربوي، ليس في لبنان فحسب، وإنما في العالم العربي والإسلامي برمّته، وأيضاً قام سماحته بدعم كلِّ الحركات والأحزاب والتيارات الإسلامية الحركية المجاهدة، وشكّل غطاءً ودعماً لها في ساحات جهادها، وحمل معها وعنها ضريبة الجهاد والتضحية. ولعله حتى الآن هو في نظر العالم أجمع مرشد الحركة الإسلامية الثورية في العالم، رغم محاولات أجهزة الاستكبار العالمي وسمه بصفات إرشادية تحدد دعمه لتيار معين أو حزب محدد. ولعلّ من أكثر ثمار أفكاره السياسية الجهادية كانت المقاومة الإسلامية في لبنان.

ورغم أن سماحة السيد ابن أكبر حوزة علمية شيعية في العالم، وهي النجف الأشرف، إلاّ أنه لم يكتف ببحر العلوم التي تقدمها الحوزة لطلابها، بل انطلق إلى توسيع دائرة معارفه ووعيه، بهدف الإحاطة بكل العلوم والمعارف التي انتشرت في عصره؛ لأنه آمن منذ البداية أن ميدان عالم الدين هي الدنيا كلها، وأن المعنيين بالدعوة إلى هذا الدين هم الناس كلهم، على اختلاف أجناسهم وقومياتهم وخلفياتهم الفكرية والثقافية، لذلك سعى سماحته إلى الاطّلاع على معظم نتاج الفكر العالمي والثقافة الإنسانية السائدة بمختلف تلوّناتها الفكرية والأدبية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.. فحملُ دعوةٍ إسلامية إلى العالم أجمع، يتطلّب حداً أعلى من المعرفة بهذا العالم؛ بأفكاره وقوانينه، باهتماماته وتطلعاته، بآلامه وأحزانه، بأفراحه وأتراحه، وهذا ما شكّل لفكر سماحة السيد وحركته فضاءً كبيراً وواسعاً، وحضوراً جعله مستعداً لمواجهة أي طارئ دون أن يترك للمفاجآت طريقاً إليه.. ولذلك تنوّعت كتابات سماحة السيد، وتناولت قضايا حيوية وحيّة جنباً إلى جنب مع قضايا نظرية ومعرفية كبرى، إضافة إلى قضايا علمية هامة، مواكباً كل جديد في عالم النظريات الفكرية والاجتماعية والسياسية.

ولعلَّ ما يؤكد ذلك هو مناقشة سماحة السيد لمعظم الأفكار التي سادت في السابق وفي الراهن، وإبداؤه آراءً متنورة وواضحة في شأنها، منطلقةً من عمق الأصالة الإسلامية على المستويين الفكري والفقهي، فضلاً عن مناقشته عدداً كبيراً من نتاجات المفكرين الإسلاميين في مجال العلوم الدينية والاعتقادية، وكتابه "من وحي القرآن" يشهد جملةً كبيرةً من المناقشات العلمية الدقيقة لأساتذة وعلماء كبار في مجال التفسير القرآني والبحوث الكلامية والفقهية الدقيقة.

طرح سماحته جملة أفكار بكر خلقت جدلاً واسعاً في الساحة الإسلامية الثقافية، فمقالاته في مجلة «الحكمة» و«المنطلق» وغيرهما من المجلات الفكرية التي تناولت موضوعات لها علاقة بالبرلمانية والديمقراطية والمشاركة السياسية، وغيرها الكثير الكثير من إشكالات الفكر والسياسة الحداثوية، تشهد له على استشرافه المأزق الذي يمكن أن يواجه الحركة الإسلامية العالمية، خاصة بعد أن أصبح لها دولة في إيران، وبات عليها أن تقدم نموذجاً متقدِّماً يتجاوز التقاليد السياسية الاستبدادية السائدة، وينأى بالتجربة الإسلامية عن الوقوع في خانة الأنظمة التي تجهد الحركة الإسلامية في مقارعتها ومعاداتها.

وبحسِّ القائد الإسلامي العالمي الوحدوي، أطلق سماحته شعار الوحدة الإسلامية، لأنه كان يرى بوضوح أن الإرث التاريخي للعداء بين أنصار المذاهب الإسلامية وتياراتها المتنوعة، قد يتحوّل إلى معوّق حقيقي أمام تحقيق أهدافها، إضافةً إلى أنه قد يشكِّل النافذة التي يهبُّ منها رياح الاستكبار لتجذير الفرقة فيما بينها، والحؤول سياسياً وفكرياً دون وحدتها بعد أن حال جغرافياً وقومياً دون اتحادها. وقد طرح الوحدة الإسلامية من موقع الالتزام بتعاليم أهل البيت(ع) الذين أسّسوا للوحدة منذ رائدها الإمام عليّ (ع)، ودعا إلى الحوار العقلاني الموضوعي في القضايا المختلفة على قاعدة الكتاب والسنّة، مشدّداً في الوقت نفسه على نبذ الخلافات وتجميد المنازعات أمام قوى الاستكبار العالمي التي تريد رأس الإسلام غير مفرّقة بين سنّة وشيعة. ولعل استشهاد العلماء والمفكرين والمثقفين من مختلف التيارات والمذاهب الإسلامية بأقوال سماحته، لهو أفضل دليل على التوجه الوحدوي لسماحته، حتى قيل فيه إنه عالم دين وحدوي من الطراز الرفيع.. وصاحب المصداقية العالمية في هذا الشأن.

وفي مجال الانفتاح على العالم، بادر إلى طرح مقولة الحوار الإنساني _ الإنساني، لإظهار الوجه الحضاري للإسلام، ولاستدراج الغرب بمقولاته الفكرية والفلسفية بدل أسلحته التدميرية وترسانته النووية. ولعل الاستجابة التي لاقتها دعوة سماحته هذه من عدد كبير من علماء الدين المسيحيين والغربيين عموماً، جعلت اسم سماحته من الأسماء الإسلامية الكبرى التي يحترم فكرها وآراؤها لمصداقيتها، ولمضمونها الديني الإنساني الذي يحترم الإنسان بمعزل عن لونه وقوميته وانتمائه الحضاري.

وبالتساوق والتوازن مع دعواته إلى الحوار الإنساني الإنساني، لم يغفل سماحته عن مخططات الاستكبار السياسية والاقتصادية لوضع اليد على أنظمة الحكم في المناطق الإسلامية، وعن نيّاته مصادرة ثرواته البشرية الفذّة والطبيعية الغنية... فالمراقب لخطب سماحة السيد وكتاباته، يلحظ الالتفات الدائم إلى مثل هذه الأهداف، وإلى فضحه الدائم لمخططات الاستكبار، مقرونةً بالشواهد والأدلّة التي لا تقبل الجدل، ولعل ما تشهده الساحة العربية والإسلامية والعالمية عموماً من هجمة استكبارية تهدف إلى السيطرة على المنطقة، يؤكد ما ذهب إليه سماحته في الماضي البعيد والمتوسط والقريب وصولاً إلى الراهن الساطع.

ومع ذلك، لم يداهن سماحة السيد الحركات الإسلامية التي تستخدم الطرق غير المنطقية وغير الإنسانية في تحقيق أهدافها. من هنا نجده قد أنصف بعض الحركات الإسلامية بالقول إنها إسلامية في عقائدها إلا أنها غير حكيمة في وسائلها وطرق عملها. وليس أدلّ على هذه المواقف المبدئية من استنكاره تفجير مبنيي مركز التجارة العالمي على رؤوس المدنيين في 11 أيلول، والذي اعتبره عملاً لا يقره عقل ولا دين ولا منطق، وبأنه عملٌ أعطى المستكبر الأمريكي والبريطاني حجة قوية لتبرير هجومه الهمجي على العالم الإسلامي لتحقيق ما خطط له ضد هذا العالم قبل حدوث التفجيرات بعقود من السنين..

لكن سماحة السيد وقف بكل قوة في وجه مقولات الاستكبار وخططه، ودعا إلى تأسيس مراكز أبحاث علمية عالمية دولية محايدة، تضع حدوداً للمصطلحات والتعاريف، من أمثال الإرهاب، ومحور الشر والخير، وغير ذلك من المقولات التي أعاد سماحته تحديد معانيها وحدود دلالاتها بما يفوّت على المستكبر استخدام قاموسه المعادي تحت هذه العناوين وفي ظلِّ هذه الشعارات.

والمستهجن، أنه في زحمة مواجهة السيد لمخططات الاستكبار وانشغاله في فضح مزاعمها ومبرراتها، فتحت عليه نار التشكيك من الجبهة الخلفية التي تسلّحت بعدد كبير من مقولات التخلّف والعصبية والصنمية، فكانت عوناً _ عن قصد أو غير قصد _ للمستكبر على سماحة السيد والتيار الفكري الذي حاول إنعاشه في مواجهة الاستكبار. ولعل أبشع التبريرات التي قدِّمت لتبرير هذه الحملة، هو أن معركة الإسلام هي مع الداخل وليست مع كفر الخارج، وهذا ما جعل سماحته يعيد الأمور إلى نصابها عن طريق رد حملة التخلف والعصبية على أعقابها، بعد معاناة كبرى مع أركانها ورموزها. ومع ذلك، فقد تركت هذه الحملة آثاراً من الوهن على الوسط الإسلامي الداخلي تضرَّرت منه كل الأطراف على تنوّعاتها.

ورغم كلِّ المعوّقات التي اعترضت نشاط سماحة السيد من تيّار التخلّف، فقد أصرّ سماحته على أن يزرع في وجدان الحركة الإسلامية عناصر القوة التي تظهرهم عصبة واحدة عصيةً على الانقسام والتشظي، وتحمَّل ضريبة ذلك لكثرة ما لاقى من تفسيرات غير منصفة لمقولاته وآرائه من بعض أوساط الساحة الإسلامية نفسها.

وقد جسّد سماحته قوة إرادة العالم المتحدّية، من خلال جملة مواقف قويّة، حتى قال بعضهم إن سماحة السيد أشبه بصخرة تتكسر عليها الأمواج الهوجاء وتعود هادئة ساكنة تنحدر عنه كالسيل البارد.. وهذه الشخصية المتحدية قامت باجتياز العديد من الابتلاءات الصعبة في شتى ساحات العمل وميادينه، ولم تقتصر فقط على الابتلاءات الأمنية الكثيرة، إنما تجاوزتها إلى التحديات الثقافية والجهادية والسياسية، حتى وصفه أحد مؤلفي الكتب، بأنه نموذج حيّ لمن يتحدّى الممنوع.



مـع النــاس

ومع أن سماحة السيد هو من الشخصيات العلمائية والمرجعية، فقد اختار بفرادة قلَّ نظيرها أن يبقى إلى جانب الناس، يرافقهم في صلواتهم وصيامهم وحجهم، ويتقرب إليهم كما يتقربون إليه، ويحشر نفسه معهم كما حشروا أنفسهم معه، تصديقاً لقوله تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه..}، وانفتح سماحته على الإنسان كلّه في كلّ مشاكله وقضاياه.. وأخذت الأبعاد الأخرى للدين، غير العقيدة والشريعة، مساحة كبرى في حركة سماحة السيد، فنظر إلى قضايا المسلمين بلحاظ البعد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني، وأيضاً نظر إلى حركة المسلمين في العالم بلحاظ الظروف كافة، وصرّح أننا لا نعيش في مجتمعات جامدة نستطيع أن نسقط أفكارنا عليها إسقاطاً من فوق، بل لا بد من السعي إلى نيل تعاطف الإنسانية مع ديننا وقضايانا المحقة والعادلة والإنسانية. وانطلاقاًَ من هذه الخلفية، تحدّث عن قضايا المسلمين الكبرى، كقضية القدس والقضية الفلسطينية عموماً، وسائر قضايا المسلمين في ما يتعلّق بحرّيتهم وعزّتهم وكرامتهم.

لا شك أن سماحة السيد أدخل الكثير من العناوين والمفاهيم والمفردات إلى ساحة الحركة الإسلامية، ولعل سماحته أول من استخدم مصطلحات من قبيل الحركة الإسلامية _ الساحة الإسلامية _ الإسلام الحركي _ الأخلاق الإسلامية المتحركة _ الإسلام العالمي _ دولة الإنسان.. إلخ.

وعلى المستوى الجهادي، فقد شرّع سماحته العمليات الاستشهادية في لبنان لدحر الاحتلال الصهيوني، وفي فلسطين لإسقاط الأمن الصهيوني، ودعا إلى مقارعة الاحتلال الأمريكي في العراق وفق ما تسمح به الظروف الموضوعية، إضافةً إلى إعلانه مبدأً سياسياً هاماً، وهو أنه يجب على المسلمين في كل الدول العربية التي تواجه الاحتلال والاستكبار، العمل على أن لا يستقر الاحتلال أو يشعر بالاسترخاء في أرض المسلمين.

وليس آخر تصديات سماحته العلمية والشرعية، ما أفتى به اتجاه القضايا العلمية المستجدة، كالاستنساخ وقضايا المرأة والنسل وغير ذلك، إضافةً إلى كونه نصيراً عنيداً للمرأة في انتزاع حقوقها من مغيبيها، وخاصة في المجتمعات التقليدية التي تظلم المرأة وتهمّش دورها الاجتماعي والإنساني على الدوام.

وبكلمة مختصرة، إن سماحة السيد فضل الله تحوّل بعد أكثر من 50 سنة من العمل الجاد والنشط والدؤوب، إلى ضمير الحالة الإسلامية العالمية، وحامل المشروع الحضاري الإسلامي في العالم أجمع، غير آبهٍ بكلِّ السهام التي توجّهت إليه من الأقربين والأبعدين، وهو في هذا المجال يتأسى برسول الله(ص) والإمام علي(ع) وكلّ الأئمة الذين قيل الكثير في حقهم وأشخاصهم، ولكن لم تمنعهم قناعتهم الراسخة بالإسلام وبالدور الريادي والرسالي الذي ارتضوه أن يأخذوا على عاتقهم أن يكونوا منارات للإسلام يشع نورها على العالم كله، وأن يكونوا عوناً للبشرية في خط الله، لا تثنيهم الصعاب والتضحيات مهما تعاظمت وغلت/ عن القيام بالدور التاريخي والرسالي الذي نذروا أنفسهم له، ورائدهم قول رسول الله(ص): «إن لم يكن بك غضبٌ عليّ فلا أبالي».



العطاء الإسلامي المتنوّع:

لم يكن سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله يؤمن بوظيفة عالم الدين التقليدي الذي يجلس في بيته وينتظر الناس أن يأتوا إليه ليسألوه فيجيب، بل كان يحاول أن يستهدي حركة النبي (ص) والأئمة الهداة من أهل بيته(ع) في حركتهم المتنوعة في المجال الفقهي والأخلاقي والسياسي والثقافي والاجتماعي، حيث كانوا يجيبون على كل سؤال، وكانوا يناقشون الملاحدة والزنادقة، وكانوا يبدأون بالكلام من لا يسألهم، ويقتحمون كل ساحة ليقدّموا الإسلام إلى أصحابها، فكراً وعملاً وسلوكاً، ليرى الآخرون في الإسلام قاعدة للحياة كلها.

وقد كان لهذا الجانب في شخصية السيد فضل الله حيّز مهم منذ طفولته المبكرة، في النجف الأشرف وفي لبنان، حيث يقول سماحته: "كنت أعيش في تلك المرحلة من عمري، ولعلها في سن الثانية عشرة أو الثالثة عشرة، الالتزام الإسلامي في مواجهة التيارات الأخرى التي بدأت تدخل العراق، ومنها التيار الشيوعي، وتيار القومية العربية، وكنا نتناقش آنذاك مع بعض الذين هم في سننا أو أكبر، على أساس هل إن الإسلام هو الأفضل، أو القومية العربية أو الماركسية هي الأفضل، حتى إنني عندما جئت إلى لبنان، وكنت في سن السادسة عشرة والنصف من عمري، سنة(1952م) وهي أول زيارة لي إلى لبنان، بدأت العمل على مستوى التحدي في منطقة بنت جبيل مع الشيوعيين والقوميين العرب، فكانت جلسات واسعة مفتوحة، وكنت أتحرك فيها بمناقشات حادة حسب الجو الثقافي الذي كنت أملكه آنذاك".

وهذا الجانب ما زال مستمراً في شخصيته إلى وقتنا الراهن، حيث لسماحته نشاط في المسجد إضافةً إلى صلاة الجماعة والجمعة، فهناك درس التفسير الأسبوعي ليلة الأربعاء، والموعظة الدينية في ليلة الجمعة، والمحاضرات التي يُدعى إليها من قبل شرائح ثقافية وفكرية متنوعة، في الجامعات والنوادي الثقافية، سواء في داخل لبنان أو في خارجه.

وقد عُرف سماحته بممارسة متميّزة للمرجعيّة، ابتعدت عن التقاليد المتعارفة للمرجعية، حيث كان وما زال سماحته يؤمّ الصلاة يومياً في المسجد، ويقرأ الدعاء للناس ويحاضر ويلتقي بالناس قدر ما تسمح به ظروفه، كما ويستقبل الصحافيين ويخوض في القضايا السياسية من موقعه الفقهي والفكري، كلّ ذلك استلهاماً لمنهج أهل البيت(ع) في تعاملهم مع الناس وهم في أعلى مراتب العلو والرفعة.

وقد آمن سماحته أن المرجع مسؤول أمام المجتمع، وأنّه يحقّ للمجتمع أن ينتقده، رافضاً كل أشكالِ التقديس لشخص المرجع، ولذا رأى أن على المرجع أن يجيب المجتمع عن تساؤلاته حتى في قضاياه الشخصية في ما يتصل بموقعه، لأنّه بموقعه لا يعود يملك نفسه، وعليه أن يقدّم حساباته للأمّة، انطلاقاً من قول الإمام علي(ع): "لا تكلّموني بما تكلَّم به الجبابرة، ولا تتحفظوا بي بما يُتحفّظ به عند أهل البادرة، ولا تظنّوا بي استثقالاً لحق قيل لي، ولا لعدلٍ يعرض عليّ، فإنه من استثقل الحق أن يقال له والعدل أن يُعرض عليه كان العمل بهما عليه أثقل، فلا تكفّوا عن مشورة بحق أو مقالة بصدق فإني لست في نفسي- بفوق أن أخطئ إلا أن يكفي الله منّي ذلك".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
سيرة حياة سماحة السيد محمد حسين فضل الله قدس سره
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» رحيل آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
» وفد من حزب الله منتدب من السيد نصر الله زار أسرة المجاهد محمد منصور
» خطاب سماحة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في مناسبة الوفاء لسفينة الحرية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الخيام الثقافي  :: الثقافة الاجتماعية والفكرية :: قسم الثقافة الاسلامية-
انتقل الى: