وزير التربية حائر بين جوابين: الإفادات أو خصخصة التصحيح

الأساتذة يصوتون على مقاطعة التصحيح برفع الأيدي الأسبوع الفائت (هيثم الموسوي)آخر بدع وزير التربية «خصخصة» تصحيح الامتحانات الرسميّة للشهادة الثانويّة. فالوزير الذي رفع شعار «كيفما كان» لإنجاز التصحيح يحاول تارة إيجاد مشكلة بين الأساتذة ورابطتهم، وطوراً تذكية فتنة بين الأساتذة والأهل، وها هو الآن لا يسعى إلى تجاوز الرابطة فقط، بل إلى تصويرها مشكلة بذاتها... ولو على حساب أسس التصحيح

فاتن الحاج
لم يحظَ وزير التربية حسن منيمنة بعطلة نهاية الأسبوع، فالرجل كان مشغولاً باجتماعات متواصلة داخل الوزارة لا يتجاوز هدفها مجرد تجييش الرأي العام ضد معركة الأساتذة الثانويين لاستعادة حقهم بالدرجات السبع. فبعد التلويح بإعطاء الإفادات بدلاً من الشهادات الرسمية واجتماع السبت الحزبي في مبنى الوزارة، لم يتردد منيمنة في دعوة المؤسسات التربوية الخاصة إلى اجتماع عقد أمس الأحد، وهو ليس الاجتماع الأول معها، وذلك لاستخدامها كمتاريس في وجه الأساتذة الثانويين ويتوقّع أن يُتّخذ اليوم قرار بهذا الشأن. بعض المؤسسات أبدت استياءها من القيام بهذا الدور، ومؤسسات «تربوية» أخرى تحمّست إلى حد اقتراح نقل المسابقات إلى أحرامها لتصحيحها، بكل ما يحمله هذا الاقتراح من مخاطر نقل استحقاق وطني كبير إلى مؤسسات خاصة ودينية. أما الخلفية من كل ذلك فهي الخروج من الأزمة «كيفما كان»، «وبأي طريقة كانت»، فهل يخدم ذلك مصلحة الطلاب ويهدّئ من الخوف على مصيرهم؟
وفي التفاصيل، أنّه بعد أقل من 48 ساعة على بداية تنفيذ مقاطعة أسس تصحيح الامتحانات الرسمية في شهادة الثانوية العامة، استحضر وزير التربية حسن منيمنة عصر الإفادات، معيداً إلى أذهان اللبنانيين رمزاً بغيضاً من رموز الحرب الأهلية اللبنانية، فيما يظهر أنّه لا حل سوى العودة إلى التفاوض مع رابطة الثانويين، ولا سيما أنّ هناك متسعاً من الوقت لإعادة الأمور إلى نصابها. هكذا، تنضمّ هذه المفردة إلى المفردات المستخدمة سابقاً ضد الرابطة مثل «اقتحام مبنى وزارة التربية» و«أخذ الطلاب رهائن» حتى يشعر المراقب وكأنّ حرباً تدور على أرض لبنان، فيما يفترض أنّ الطرفين، أي وزارة التربية والأساتذة، ليسا عدوّين بل فريقان مؤتمنان على التعليم الرسمي والطلاب، ويجب أن يتكامل دورهما لإصلاح النظام التربوي. ومن عناصر هذا الإصلاح تعزيز مكانة الأستاذ وإعطاؤه حقوقه النقابية والمادية وهي جزء من تمهين التعليم، أحد عناوين الخطة التربوية للوزارة.
فإذا كان الهدف من الطرح لا يتعدى التهويل فتلك مصيبة لأنّ مجرد التلويح بمثل هذه الخطوة، وفي توقيت لا يزال فيه طلاب شهادتي الآداب والإنسانيات والاجتماع والاقتصاد يجرون امتحاناتهم، أثار إرباكاً في صفوف الطلاب وأهاليهم وأدى إلى التلاعب بمشاعرهم. أما إذا كان الوزير جادّاً في طرحه فتلك مصيبة أكبر، نظراً إلى تأثير هذا الطرح على صدقيّة الشهادة الرسميّة وسمعتها.
رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي، على الأقل، طالبت وزير التربية، في بيان أصدرته أمس، بإخراج الموضوع من التداول، رافضةً رفضاً قاطعاً مجرد التفكير بإعطاء إفادات للتلامذة. وسألت: «كيف يدعو معاليه إلى إجراء الامتحانات من جهة، وإعطاء إفادات من جهة ثانية؟ ولمصلحة من خلق حالة البلبلة والتشويش والقلق النفسيّ في أذهان الطلاب المرشحين وأهاليهم؟».
وحمّلت الرابطة الوزير كامل المسؤولية عن «إرباك الطلاب من جهة، والتهديد المباشر للشهادة الرسمية وسمعتها التي نحرص جميعاً عليها من جهة ثانية»، متسائلة عن مبرر إعادة اللبنانيين الى «عصر الإفادات إبّان الحرب المشؤومة التي ولّت الى غير رجعة. هذا دليل واضح على أنّ من يضرب حقوق الأساتذة حاضر لضرب حقوق الطلاب والشهادة الرسمية والتعليم الرسمي في آن».
لكن ما توقفت عنده الرابطة في بيانها هو إعادة التذكير بهدف تحركها وهو استعادة الدرجات السبع حقّاً مكتسباً للأساتذة الثانويين. وفي السياق، جددت التأكيد «أنّ الـ60% التي أعطيت لأستاذ التعليم الثانوي لقاء الزيادة في ساعات عمله بموجب القانون رقم 66/53 وتعديلاته، هي حق مكتسب ألغي وأبقيت الزيادة في ساعات العمل من دون مقابل، وإلا لظهرت قيمته المادية، ولما اختفت بحيث لم تعد موجودة في سلسلة الرتب والرواتب كنسبة فارق دائم بين راتب الأستاذ الثانوي وراتب الإداري فئة ثالثة. وهذا يعني بخس قيمة عمل أستاذ التعليم الثانوي، وخفض راتبه بمقدار 60%، وبالتالي تراجع موقعه الوظيفي عمّا هو مفترض أن يكون عليه».

وأسفت الرابطة لعدم إقرار مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة الدرجات السبع، انطلاقاً من أن الحكم استمرار، وتماشياً مع ما أقرّته الحكومات السابقة التي اعترفت بالـ60%، وأعادت الجزء الأول منه 25% (6 درجات)، ثم الجزء الثاني 15% للمديرين، ما يتطلب استكمال تصحيح الخطأ ورفع الغبن عن الأساتذة الثانويين.
وأكدت الرابطة للرأي العام اللبناني والأهالي موقفها الساعي إلى ضمان حقوق الجميع أساتذة وطلاباً، وهي في سبيل ذلك قدمت أقصى ما تستطيع من تنازلات وصولاً إلى إعلان موافقتها على رقم الوزير 20% في صلب الراتب الوارد في مطالعته القانونية التي وزعها على الثانويات والمهنيات الرسمية. فهل من هيئة نقابية بإمكانها التنازل الى ما دون الرقم الذي أعلنه الوزير؟
ومع ذلك، ترى الرابطة أنّ المطالعة التي أفضت إلى أن «حقنا هو 20% تستوجب الاستكمال أيضاً باعتماد المعدل الوسطي لنسبة الدرجة البالغة 3.4%، وبالتالي يكون عدد الدرجات: 20% على 3.4%= 6 درجات». والخطأ الثاني المتعمد أيضاً أن الوزير اعتبر أن نسبة الدرجة تساوي 5% فقسم 20% على 5%=4 درجات، فيما نسبة درجتنا الحقيقية لا تزيد في حدها الأقصى على 4% وأرقام سلسلة رواتبنا واضحة للعيان».
وجددت الرابطة التزامها التعاطي بإيجابية وانفتاح وتعاون مع كل المساعي والمبادرات من أي جهة أتت؛ معلنة تمسكها بموقفها النقابي الديموقراطي المستقل، وملتزمة قرار جمعياتها العمومية وفروعها ومجالس المندوبين، وخارج كل التجاذبات السياسية، ولا تهدف من تحركها إلى تحدّي أحدٍ ما، ولا إلى ليّ ذراع أيّ كان، بل تريد إعادة الحق وتصحيح الخطأ ورفع الغبن.
ورأى البيان أن التزام الأساتذة الثانويين الكامل بمقاطعة وضع أسس التصحيح والتصحيح والتفافهم حول رابطتهم وثقتهم الكاملة بقيادتهم قد متّنت وحدتهم النقابية التي لن يتمكن أحد من اختراقها وزعزعتها والنيل منها عبر أساليب التسييس والضغط وقلب الحقائق.
وفيما توجّهت الرابطة إلى الأهالي لطمأنتهم بتأمين الإسراع في تصحيح المسابقات وإصدار النتائج فور الوصول الى الحق، دعت مجلس الوزراء وسائر القوى والفاعليات والهيئات السياسية والنقابية والاجتماعية الى «احتضان موقفنا، والعمل على إعادة حقّنا كاملاً من دون نقصان، مؤكدين تمسكنا الدائم بوحدة الحركة النقابية للأساتذة والمعلمين».

أوضح المكتب الإعلامي في وزارة التربية والتعليم العالي، رداً على ما ورد في «الأخبار» السبت الماضي، تحت عنوان «قنص من مبنى التربية على الرابطة»، «أنّ وزير التربية حسن منيمنة، استقبل الأساتذة ولجان الأهل بناءً على طلبهم، وكان قد التقى سابقاً ويلتقي باستمرار نقابة المعلمين والمكاتب التربوية للأحزاب والجهات السياسية كلها. وما اللقاء السبت مع الأساتذة بناءً على طلبهم إلا تأكيد لسياسة الحوار الإيجابي التي يتبعها الوزير مع كل الجهات الراغبة في الوقوف على ما يجري من دون تحريف للحقائق».
وأعلن المكتب الإعلامي «أنّ الوزير حاضر لاستقبال أيّ مكتب تربوي أو جهة سياسية تريد لقاءه لاستيضاح الوضع على حقيقته، وذلك لوضعها في صورة موقفه الصريح والتفصيلي من كل ما يجري، ضمن سياسة الأبواب المفتوحة والشفافية المطلقة».
وأكد «أن الوزير يرحب بأي مجموعة من الأساتذة أو الأهالي تطلب لقاءه لأن موضوع مقاطعة وضع أسس تصحيح الامتحانات الرسمية وتصحيحها مسألة وطنية واجتماعية بالغة الأهمية لكل عائلة في لبنان وتهدد مستقبل أولادها».
يهمّ «الأخبار» أنّ توضح أنّ ما ورد في عدد السبت مصدره أساتذة وقوى تربوية في 14 آذار استغربوا أن تصل إليهم الدعوة إلى اللقاء في مبنى وزارة التربية بواسطة اتصالات ورسائل هاتفية من مكتب قطاع التربية والطلاب في تيار المستقبل وأحياناً من رئيسه د. نزيه خياط تحديداً، بهدف طلب الدعم لموقف الوزير في معركته مع رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي. وإذا سلّمنا جدلاً بأنّ الحديث عن أنّ اللقاء حصل بناءً على طلب الأساتذة الثانويين أنفسهم للاستفسار من الوزير مباشرة بشأن ما آلت إليه قضيتهم بعدما التبس عليهم الأمر مما يقرأونه في الصحف، فهل تداعى هؤلاء بالصدفة من كل لبنان؟ وما مبرر أن يكون بين الحاضرين معلمون في المرحلة الابتدائية وأساتذة جامعيون لا علاقة لهم بالقضية المطروحة؟